في فصل الشتاء من كل سنة، تظهر حالات وقصص مأساوية لأشخاص توفوا بسبب السخانات المائية المنزلية، لدرجة أن عائلات وأسر بأكملها أصبحنا نراها تذهب ضحية موت مفاجئ وصامت نتيجة الغاز القاتل.
بسبب استنشاق الغاز المستعمل في إشعال سخّانات المياه المستعملة للاستحمام، هكذا يصاب المرء بالاختناق الذي يمكن أن يفضي إلى الموت إذا لم يتم تدارك الأمر في ظرف زمني وجيز.
فأمام ارتفاع الإقبال خلال درجة الحرارة على سخانات الماء، خصوصاً وأنَّ الكثير من الأسر تعتبرها الحل الأنسب لحماية أفرادها من موجة البرد القارس، فإنَّ عددا من المغاربة في كل فصل شتاء تودي هذه السخانات بحياتهم.
وفي مقابل ذلك، هناك اعتقاد سائد "خاطئ" يتجسد في كون أنَّ الغاز يتسرب إلى الماء فيستنشقه المتواجد في الحمام أثناء الاستحمام، مما يجعله عرضة للاختناق ويطرحه أرضاً.
هذا الاعتقاد السائد لدى المغاربة، يفنده عدد من المختصين في المجال، الذين يؤكدون على أنَّ اختناق المرء يكون نتيجة استنشاقه الغاز الفتاك بسبب ضعف نسبة الأوكسجين في الهواء.
كيف يتم الاختناق؟
يضطر الناس إلى غلق النوافذ في فصل الشتاء لأجل تجنب البرد، حيث في هذه الحالة وعند الاستحمام تكون المدة طويلة مقارنة مع فصل الصيف، لذلك يقوم السخان باستهلاك الأكسجين الموجود بالمنزل وخاصة "الشقق الصغيرة"، الشيء الذي يؤدي إلى إفراز أحادي أكسيد الكربون الفتاك CO1.
وعند سؤاله حول كيفية إفراز هذا الغاز، تحدث محمد خصال، رئيس قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان، في تصريح لـ "مواطن" عن وجود نوعين من الاحتراقات بالنسبة لعنصر البوتان، الاحتراق الكامل والاحتراق غير الكامل، الأول يحتاج إلى الأكسجين فينتج عنه غاز ثنائي أكسيد الكربون، في حين إذا كان المكان مغلقاً وانعدم الأكسجين فالنار في هذه الحالة تستهلك ثنائي أكسيد الكربون، ما ينتج عنه أحادي أكسيد الكربون (الاحتراق غير الكامل)، وهو الذي يتسبب في الوفاة.
لماذا هذا الغاز يقتل؟ يجيب خصال بأن غاز أحادي أكسيد الكربون يقتل لكونه أولا لا يتوفر على رائحة وهو ما لا يشعر بأي إنذار معين، ثانياً كونه يستهدف الكريات الحمراء في الدم المسؤولة عن نقل الأكسجين في الجسم، ويحل محلها، بقوة تقارب 200 مرة من القوة التي يتجسد فيها الأكسجين في الكريات الحمراء.
وأضاف الخصال أنَّ من علامات الإصابة بغاز أحادي أكسيد الكربون، الإحساس بصداع في الرأس، الغثيان، الدّوار، نقص في الرؤية، التعب، تشنج العضلات، الإغماء...إلخ، وبطبيعة الحال هذه الأعراض إذا لم يتم معالجتها في وقت وجيز، تؤدي إلى الموت.
وأشار المتحدث إلى أنَّ الشخص كلما أطال في الاستحمام تزداد نسبة أحادي أكسيد الكربون في الهواء، مما يجعل كمية الأكسجين تقل، وبالتالي ارتفاع نسبة تعرضه للاختناق.
كيف نتجنب خطر سخانات الماء؟
كثيرون ممن شهدوا الحالات التي أضحت تظهر إلى العلن في كل مرة وحين، بشأن وفاة شخص هناك بسبب غاز البوتان، أو اختناق آخر بسبب الغاز نفسه، حتى أصبح الكل يتساءل عن كيفية الحيلولة دون أن يقع في الأمر ذاته، ويجنب نفسه وأسرته خطر سخانات الماء التي أصبحت ترعب الكل.
وفي هذا السياق، قدّم الدكتور الخصال مجموعة من الحلول، تتمثل في عدم وضع سخان المكان في مكان ضيق بعيداً عن الأكسجين، بل يجب وضعه في مكان يمتاز بالتهوية الجيدة والكافية، مفضلاً أن يكون خارج فضاء المنزل حتى يكون فقط هناك احتراق كامل وألا يبلغ المرحلة الخطيرة منه التي تفرز الغاز القاتل.
وأبرز الدكتور أنّه عند استقبال المصاب بالغاز إلى المستشفى، فيتم ضخ الأكسجين بقوة مركّزة حتى يتم خروج أحادي أكسيد الكربون من الكريات الحمراء ويحل محله الأكسجين.
ولأجل إسعاف الأشخاص الذين تعرضوا للاختناق عبر الغاز، قدم الدكتور المتحدث لـ"مواطن" مجموعة من النصائح، حيث أكدَّ على أنه عند رؤية حالة اختناق من هذا القبيل، فإنَّ أول خطوة على المرء أن يقوم بها، أن يقصد نوافذ المنزل ويفتحها لأجل دخول الأكسجين، ثانياُ الاتصال بسيارة الإسعاف، ثالثاً القيام بالإسعافات الأولية في حالة معرفته القيام بها، وإذا كان الشخص ليس عالماً بالأمر، فينصح بأن يضع المصاب على جانبه الأيسر حتى إذا تقيأ المتعرض للاختناق لا يرجع القيء إلى مسالكه الهوائية ويتسبب ذلك في وفاته.
إلى جانب ذلك، ينصح بتركيب السخانات من طرف تقنيين ومتخصصين في الميدان، واستعمال سخانات ذات جودة جيدة، خصوصاً التي تتوفر على نظام امتصاص الغاز المحترق، كما ينصح بتجنب إشعال أي شرارة نار حتى لا يتعرض المنزل إلى وقع الاحتراق.
فإلى متى ستظل هذه السخانات المائية المنزلية تحصد الأرواح بهذا الشكل المفاجئ والصامت؟؟!